مكتبـــــة الخطب

2025-12-21 09:40:02

استسقاء بني إسرائيل

بسم الله الرحمن الرحيم استسقاء بني إسرائيل 21 / 7 / 1445 ç الحمد الله.... أما بعد: بداية القصة. تُجدِب الأرض، وتَسُفُّ الريحُ يَبَسَ البر، وتَجِفُّ السماء، ويقلع كلُّ سحاب في الهواء، فلا ترى في السماء مِنْ قَزَعَة، وتترامى على البسيطة نباتاتٌ صفراء، وبهائمُ أضناها الظمأ، وبشرٌ أهلكهم طولُ التيه، وفقدانُ الطريق، إنه مشهد حقيقي، وقع في غابر الزمن! إنه زمن موسى وبني إسرائيل في قصة الضياع الممتد لأربعين سنة! وفي هذه الخطبة نتذاكر قصة استسقاء بني إسرائيل، وحضورِ النعم الوافرة إليهم، ثم الممل والنكران العجيب الذي خيم على قلوبهم في صورة يندهش منها القلبُ الواعي، والضميرُ الحي، فلنستمع للقصة. استسقاء زمن الجفاف. قال تعالى: ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﭼ البقرة: ٦٠ - ٦١ كان هذا الحدث يوم أن كان بنو إسرائيل في التيه، والتيه من عقوبات الله على الإسرائيليين، لما أمرهم الله بالجهاد فتخلفوا، فتاهوا في الأرض أربعين سنة، حتى مات في هذه السنين موسى وهارون-وكان ذلك رفعًا لدرجاتهم- ومات أكثرُ الإسرائيليين-وكان ذلك عقوبةً لنكولهم-. وبينما هم في التيه اشتكوا الظمأ إلى نبيهم موسى-عليه السلام-، فسألوا الموسى السقيا، ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭼ فسقاهم الله الماء بسقيا عجيبة، وآيةٍ فريدة، قلَّ في تاريخ البشرية نظيرُها-إذْ كان الناس إذا استسقوا ربهم راكم لهم سحاب، فأنزل المطرَ من خلاله، أو سخَّر لهم الأنهارَ أو العيون من رؤوس الجبال- ولكن الله جعل لحصول الماء لبني إسرائيل آيةً وبينةً؛ لعل قلوبَهم أن تخضع لبيناته، وتلين لبراهينه ومعجزاته، فأمرهم موسى أن يأتوا بحجر، وأمر الله موسى أن يضرب الحجر بعصاه، ففجرها الله اثنتي عشرة عينًا في آية مبهرة، وطريقة خرقت العادات، ونواميس الحياة، فكانوا يحملون الحجر معهم، وكلما نزلوا ضَرَبَه موسى بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، لكل سبط من الأسباط عينٌ معلومة مستفيضٌ ماؤها لهم( ). قال ابن عباس: "الأسباط هم بنو يعقوب، كانوا اثني عشر رجلاً، كلُّ واحد منهم وَلَدَ سِبطًا، أي: أمةً من الناس"( ). ومن خصائص هذه العيون أن كلَّ عين خاصةٌ لسبط دون الآخر، فكلُّ سبط يشرب من جهة لا يشرب غيرُه من الأسباط منها، فلم يكونوا شركاء في جهة واحدة، ولذا قال الله: ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﭼ والمشرَب: ماء متدفق، عينٌ فرات عذب زلال، ولا سبيل لأحد أن يشرب منها إلا لبني إسرائيل الذين كانوا مع موسى( ). ظلل من السماء، وطيبات على الأرض. ولما جاءهم الصيف وهم في التيه، عانوا من حرِّ الشمس ووهجها، فسألوا موسى مرة أخرى، فمن نعم الله الفائضة عليهم أنْ ظلل عليهم الغمام(وهو السحاب) وزيادةً على ذلك أنْ أنزل عليهم المنَّ والسلوى، قال تعالى مبينًا نعمه عليهم في التيه: ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭼ البقرة: ٥٧. أما المن: فهو كل ما من الله عليهم في التيه من الخير والطعام والشراب، ومنه: الكمْأة، والكمْأة هو ما يعرف في الجزيرة العربية باسم: الفقع، أو الترفاس (في مصر)، ويُغالى جدًا في ثمنه، روى البخاري في صحيحه أن النبي ﷺ قال: "الكَمْأة من المنّ، وماؤها شفاءٌ للعين"، فالكمْأة: من نعم الله على بني إسرائيل؛ لأنه ينبت في الأرض من غير معالجة البشر: لا ببذرٍ منهم أوسقي، ويُستخرج من ظاهر الأرض من غير كُلْفةٍ ولا مؤنة، فقد كان العرب يسمون الكمْأ ببنات الرعد، لأنه يكثر في موسم الأمطار( ). ثم إن ماءها شفاءٌ للعين، ولا زال العرب يُغلُون ماء الكمأ بالنار، ثم ينتظرونه حتى يبرد، ثم يكتحلون به، أو يقطرونه في العين. وأوضحت هيئة الدواء والغذاء السعودية أن الكمْأ غني بالبروتينات، والدهون، والألياف الغذائية، ويحتوي على مستويات عالية من مضادات الأكسدة( ). عن قتادة، قال: حُدِّثت أن أبا هريرة قال: "أخذت ثلاثة أكمؤ أو خمسًا أو سبعًا فعصرتُهُن، فجعلت ماءهن في قارورة، فكحلت به جارية لي فبرأت"( ). وينبغي التأكد من صلاحية الكمأ عند الشراء، وخلوِّه من الفطريات، أو سوءِ التخزين، فقد منعت هيئة الدواء والغذاء في هذه السنة من دخول مئات الكيلو جرامات على الحدود السعودية( ). أما السلوى: فهو طائر السُّمَّان، الغني بفوائدَ عِدةٍ للجسم، وهو أكثر أمانًا على صحة القلب والأوعية الدموية من الدجاج، ويرجع السبب إلى احتوائه على نسبة منخفضة من الدهون. وقد كان السُّمَّان ينزل على بني إسرائيل سائر اليوم، وأمرهم الله ألا يدخروا منه، ولكن بني إسرائيل عصوا فادخروا الطعام، فعاقبهم الله بفساد طعامهم ونَتَنِه، وكان فعلهم هذا هو السبب في نتن كلِّ طعام يُدَّخر إلى يوم القيامة، روى البخاري في صحيحه أن النبي ﷺ قال: "لَوْلاَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ"، قال السعدي: "وأما بنو إسرائيل؛ فقيل لهم: لا تدخروا من اللحم الذي رُزِقتُمُوه في التيه، فادخروه من الهلعِ والحرصِ الشديد وضعفِ الثقة بالله،...ولكن لما وقع بنو إسرائيل في ادخاره؛ وقع الناس فيه بعدهم، فحُرِموا تلك المواساة النافعة" ( ). ثم نهاهم الله -بعد أن أنزل عليهم نِعَمَه- أن لا يطغوا في الأرض عدوانًا، ولا يسعوا على البسيطة مخربين، فقال: ﭽ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﭼ، والعَثْيُ: أشدُّ الفساد وأشنَعُه. فإن سنة الله جاريةٌ على خلقه أن المعاصي تفاقم النقم، وتزيل النعم: ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭼ أقول ما تسمعون... الخطبة الثانية: الحمد لله... الملل من النعم، والسخط من المنن. وبينما القوم في التيه، مُسَخِّرًا اللهُ لهم الغمام، ومُنزِّلاً عليهم المن والسلوى، إذْ بهم يَمَلُّون النعم، ويسخطون المنن، فقالوا بسوء أدب وجفاء: ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﭼ، ظنوا أن الله سيجيبهم هذه المرة، كما أجابهم في تفجير الحجر، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى، لكن ما كان ردُّ الله عليهم؟ قال سبحانه وتعالى: ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ أتستبدلون الرديء بما هو خير منه، "ولا شك أن من استبدل بالمن والسلوى البقلَ والقثاءَ والعدسَ والبصلَ والثومَ، فقد استبدل الوضيعَ مِنَ العيشِ، الرفيعَ منه"( ). قال الله لبني إسرائيل موبخًا ومقرعًا لهم: ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﭼ البقرة: ٦١، وهذا دليل غضب الله عليهم، والأمر في قوله ﭽ ﯜ ﯝ ﭼ "هو لمجرد التوبيخ؛ إذ لا يمكنهم الرجوع إلى مصر"؛ لأجل أنهم ضائعون في التيه، وهذه من حماقاتهم وسخفهم، أن يستخفوا بنعم الله العظيمة، ويُعرضوا عن الجهاد الذي فيه عزهم ونصرهم؛ ولذا قال الله: ﭽ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﭼ البقرة: ٦١، وهذه الصفات تشمل يهود اليوم، "ومعنى لزوم الذلة والمسكنة لليهود أنهم فقدوا البأس والشجاعة، وبدا عليهم سيما الفقر والحاجة، مع وفرة ما أنعم الله عليهم، فإنهم لما سئموها صارت لديهم كالعدم، ولذلك صار الحرص لهم سجية باقية في أعقابهم"( ). وهكذا تنتهي قصةٌ من قَصَص الإسرائيليين في التيه، ولهم أخبار في هذه الأربعين سنة، ذكرها الله في كتابه مفصلة مُبيَّنة، يضيق المقام عن ذكرها، فلنقرأ كتاب الله، ولنتأمل أخباره ﭽ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ يوسف: ٣ . اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر واحم حوزة الدين، اللهم وفق ولي أمرنا لكل ما تحبه وترضاه، اللهم اجعله ذخرًا للإسلام والمسلمين، اللهم احم بلادنا، وانصر جندنا، وأذل أعداءنا، اللهم نج المستضعفين في غزة والسودان، اللهم اشدد وطأتك على يهود المعتدين، اللهم املاء بيوتهم وقبورهم نارًا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عاصم بن عبدالله بن محمد آل حمد
📄 اضغط لمشاهدة الملف

خطب ذات صلة