مكتبـــــة الخطب

2025-12-21 09:43:32

الأمن الغذائي

بسم الله الرحمن الرحيم الأمن الغذائي 14/ 3 / 1445 ç إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: المباركة في الأرض...وتلاعب المستعمر. إن الله لما خلق الأرض قدّر للناس طعامهم وشرابهم، وتكفَّل بالأمن الغذائي بينهم، فقد قال الله عن الأرض: ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ فصلت: ١٠، فالله لما خلق الأرض ملأها بالأرزاق والأقوات التي تكفي البشر، لكنّ جشعَ الإنسان وطمَعَه جعله يسرق ويُجوّع ويستعمر الأراضي الزراعية ولا يبالي، فكم هي الدول التي استعمرت البلدان لأجل نهب مقدراتها الغذائية؟ وكم هم التجار الذين يلقون بأطنان الطعام في البراري: من البصل والطماطم...فقط لأجل المحافظة على الأسعار وضمان عدم نزولها؟ كما هو حالُ كثيرٍ من دول الغرب في إلقاء الأطنان من الزُبْد في البحار في كلِّ موسمٍ للمحافظة على سعر اليوم( )، قارن هذه الصورةَ المريعة بصورة الطفل الأفريقي المتضوِّرِ من الجوع، المنتفخِ البطن، البائنِ العظام من حلول المجاعة...تعرف أن الإنسان هو من يخلق الأزمات، ولا يفكر إلا بنفسه. فلا صحة لقول غير المؤمن بكتاب الله: إن كثرةَ البشر اليوم، وقلةَ الأمطار، وانحسارَ الأراضي المزروعة سببٌ في المجاعات، وتهديدِ سكان الأرض، فإن هذا كذب محض، والله تعالى يقول عن الأرض: ﭽ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﭼ الحجر، انظر إلى الصين وهم عددُ المليارِ نسمة، ولم نسمع عن المجاعات عندهم، وانظر إلى بعض البلدان الأفريقية وهي بلادُ الأنهارِ والأمطارِ والزراعةِ والأقلِّ عددًا، ومع ذلك لا يسلمون من المجاعات، تعلم بعد ذلك أن الله هو المُطعم ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ قريش: ٤، لكن الإنسان هو المفسد: ﭽ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ الغذاء في منظور الديانات الأخرى. إن الله بحكمته ما أباح شيئًا إلا وله نفعُه على الإنسان، وما حرم شيئًا إلا وفيه ضررُه الشائنُ البائنُ على البشر، وهذا على مقتضى القاعدةِ القرآنيةِ الجليلة: ﭽ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﭼ الأعراف: ١٥٧، ومتى تدخَّل الإنسان بعقله في هذه القوانين الإلهية، فحلّل وحرّم على مقتضى هواه متى ما كان ذلك سببًا لخراب بدن الإنسان قبل خراب آخرته،: ﭽ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭼ الأعراف: ٣٢ ولو تأملت في مفهوم المشروب والمطعوم عند الديانات الأخرى لوجدت عجبًا: فبعض الكنائس تفتح أبوابها للزائرين بتقديمهم كأسًا من الخمر! فيُزرع في العقول عند بوابات الكنائس كيف تزول العقول! وتُقدِّس الهندوسيةُ الأبقار، وتُحرِّم أكلَها، حتى تَرى البقرةَ السمينة في الشارع، وبجانبها رجلٌ فقيرٌ هزيلٌ منطرحٌ على الرصيف يكاد يموت من الجوع. ويُحرِّم بعضُ البوذيين أكلَ كلِّ اللحوم ومشتقاتِها، ويرون أن ذبح أي حيوان هو عداء وظلم( )، وهذا المعتقد الذي يحصر الأكل في النبات دون اللحوم هو خلافٌ للفطرة الإنسانية بشكل صريح، وقد أثبت العلم الحديث أن العيش على النبات فقط مدعاة للأمراض، وفقر الدم، والهزال. أما الإسلام، فمن بين صخب تلك الأديان فقد جاء بما يُصلِح البدن والعقل، فقال الله تعالى في كتابه العظيم: ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ الأعراف: ٣١. إقبال غير المسلمين على الطعام الحلال. إن الإسلام بمفهومه للأكل الحلال راعى ضوابطَ وقِيَمًا تعود على المستهلك بالصحة والمعافاة، فكلُّ طعام فيه ضرر فقد حرمه الإسلام: كالميتة، والحشرات، والمسمومات: كالثعابين والعقارب، بينما ترى بعضَ شعوبِ دول العالم لا تفرق بين النافع والضار، ولا بين الطيبات والخبائث. وإن مفهوم الأكل الحلال قد ازداد شعبويةً وإقبالاً بين دول العالم الشرقي والغربي من غير المسلمين، فهنالك كثير من المطاعم العالمية والدَّوْلية تقدم وجباتٍ بمسمى (الحلال) في البلدان غير الإسلامية، حتى غدت هذه العبارة (حلال) مطمعًا لجذب كثير من الرواد غيرِ المسلمين، لمَّا رأى أولئك أن الطعام الحلال لا ينفك عن السلامة الغذائية، والدوافعِ الصحية، فبينما يموت نصفُ مليونِ إنسانٍ بسبب سوء السلامة الغذائية، يجد الكثيرُ من الباحثين الأمنَ الغذائيَّ في الطعام الحلال لا شك فيه ولا مرية، ذلك أن المؤمن بالله لا يتبع إلا الطعام الزكي النقي، ورحم الله الفتية من أهل الكهف إذ قالوا: ﭽ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﭼ الكهف: ١٩ فاللهم إنا نسألك حب الخيرات، وأكل الطبيات، وشكر النعم الوافرات، وأن تجانبنا عمل المسرفين، وإخوان الشياطين. الخطبة الثانية: الحمد لله... الأمن الغذائي حاجة لتحقق الإيمان. إن الغذاء له دور مهمٌ وفاعلٌ في عبادة الإنسان، فكلما وجد الإنسان نفسَه حاضرَ الطعام، كلما تفرغ للعبادة ونَشِط، ومِن هنا كانت دعوة إبراهيم مُجلِّيةً كاشفةً لهذه الأهمية إذ قال: ﭽ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭼ البقرة: ١٢٦، وقال سلمان الفارسي: "إِنَّ النَّفْسَ إِذَا أَحْرَزَتْ رِزْقَهَا اطْمَأَنَّتْ، وتَفَرَّغَتْ لِلْعِبَادَةِ، وَأَيِسَ مِنْهَا الْوَسْوَاسُ"( )، إذن فالأمن الغذائي ضرورةٌ لتُقْبِل النفسُ إلى ربِّها. الإيمان من أسباب الأمن الغذائي. وكما أن الأمن الغذائي ضرورةٌ لتحقق الإيمان، فالإيمان بالله من أهم أسباب تحقق الأمن الغذائي، فلكما قوي إيمان العبد كلما رزقه الله ووسع عليه: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ الأعراف: ٩٦ الحث على الزرع من منظور الشارع. ولقد جاءت الشريعة آمرةً ومرغبةً بفعل الأسباب التي يقوم بها الأمن الغذائي للبشر، فقد قال ﷺ: "ما من مسلمٍ يغرسُ غرساً أو يَزْرَعُ زَرْعاً فيأكلُ منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ إلاَّ كان له به صدقة" رواه البخاري، فالغرس مصدرٌ غذائي للبشرية، وعاملُ تصفيةٍ للهواء، وموجبٌ لامتصاص الملوثات، وفيه ترسيخٌ وترسيبٌ للتربة، وصدٌّ للرياح العاتية، وترطيبٌ للأجواء، وقضاءٌ على الفيروسات، ويكمل الخير، ويعظم الأجر متى ما كان زرعُ الإنسان بيده، قال: ﷺ "ما أكل أحدٌ طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده " رواه البخاري. الهدر الغذائي. إن الهدر الغذائي يُشكِّل مشكلةً عالمية؛ لِمَا له من آثار وخيمةٍ على الاقتصادِ والبيئةِ وخسارةٍ في الموارد، وبناءً على بعض الدراسات الميدانية للهدر الغذائي بالمملكة أظهرت أن نسبة الهدر بلغت معدلاتٍ عالية تُقدَّر بـ 40 مليار ريال سنويًا، مما يُحتِّم على الجميع العنايةُ بالاقتصاد، ومراقبةُ الداخل إلى البيت والخارج منه، وشكرُ نعم الله باحترامِها، وعدمِ الإسراف عن الاحتياج، وتذكروا بأن البركة مفتاح القناعة والرضى، قال ﷺ: "طَعامُ الواحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ، وطَعامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأرْبَعَةَ" رواه البخاري. فاللهم ارزقنا شكر نعمك، وحمد آلائك، واجعل ما أنزلته علينا بلاغًا ومتاعًا لنا ما حيينا، واجعلنا ممن عاش عيشة هنية ومات ميتة سوية ورددته إليك مردًا غير مُخزى ولا فاضح، يا رب العالمين. عاصم بن عبد الله بن محمد آل حمد
📄 اضغط لمشاهدة الملف

خطب ذات صلة