مكتبـــــة الخطب

2025-12-21 09:40:45

اسطوانة أبي لبابة

بسم الله الرحمن الرحيم اسطوانة أبي لبابة! (العشر الأواخر) 21 / 9 / 1446هـ الحمد لله... أما بعد: انتقاص الليالي. الليالي تتقلص، ورمضان يقرع أبواب الرحيل، وفي كل سنة تهتز أرواحنا بسرعة انقضائه، وتصرم لياليه، والحقيقة أن العمر كلَّه كذلك، تتساقط أوراقه أسرع من التقاطها، وفي كل يوم نقترب إلى نهاية كل شيء. اجتهاد مُلْفت. إننا في هذه الأيام نعيش أفضل ليالي الشهر، بل أفضل ليالي الدنيا، فلا ليالي أعظم ولا أشرف ولا أنقى منها، وقد كان النبي  يفعل فيها من الأمور العالية ما لا يفعلها في غيرها من الليالي. حتى لفتت أفعالُه أنظارَ الصحابة، تقول عائشة: "كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان، ما لا يجتهد في غيرها" رواه مسلم. اسطوانة التوبة!. بل كان  يفعل عبادة لا تُذكر العشر إلا ذُكرت هذه العبادة، ولم تُذكر هذه العبادة إلا ذُكرت هذه العشر، إنها عبادة: قطع العلائق عن الخلائق، إنها عبادة الاعتكاف، وكان ابن عمر يُرِي نافعًا المكان الذي كان يعتكف فيه من المسجد ويقول: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّه"( ).ويقوله له: "كَانَ إذَا اعْتَكَفَ طُرِحَ لَهُ فِرَاشُهُ، أَوْ يُوضَعُ لَهُ سَرِيرُهُ وَرَاءَ أُسْطُوَانَةِ التَّوْبَةِ"( )، وهي أسطوانة معروفة، شاهدة على ما حصل فيها من قصص ووقائع، وهي الأسطوانة التي رَبَط بها أبو لبابة نفسَه لما تخلف عن الغزو، وقال: "والله لا أحل نفسي منها، ولا أذوق طعامًا ولا شرابًا حَتَّى يتوب اللَّه علي"( ). اعتكف مرة  فاعتكفت عائشة فضربت لها خِباء( )، ثم فعلت حفصة ذلك، ثم فعلت زينب بنت جحش ذلك، فما رأى النبيُّ الأخبية، قال: "ما هذا؟ آلبرّ تُرِدْن؟"، وكأنه خشي أن يكون الحامل لهنّ على ذلك التنافسُ والغيرةُ بينهن، فترك الاعتكاف ذلك الشهر، ثم اعتكف عشرًا من شوال( )، وفي ذلك أن من دخل اعتكافه ثم قطعه لعارض فإنه يُستحب له قضاؤه في شوال. أوصاف مباركات. وعن عائشة قالت: "كان النبي  إذا دخل العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشد مئزره"( ). وهذا وصف من أوصاف النبي الكريم  في تقلبه أثناء هذه العشر: الأول: إحياء الليل، والمقصود الاستغراق في العبادات المتنوعة من صلاة وتدبر وتفكر وقراءة للقرآن، وقد كان النبي  يحيي أغلب الليالي في رمضان وغيرِه، لكنه في رمضان أكثر حرصًا، قالت عائشة: "لا أعلم رسول الله  قرأ القران كلَّه في ليلة، ولا قام ليلة حتى الصباح، ولا صام شهرًا كاملًا قط غير رمضان"( ). الثاني: أيقظ أهله، كما أمره الله: ﭽ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ طه: ١٣٢، وقد كان يوقظ أهله في رمضان وغيره، ولكنه في رمضان أحرص وأبرز، استيقظ ليلة فزعًا، فقال: "سبحان الله ماذا أُنزل الليلة من الفتن! ماذا أُنزل من الخزائن! من يوقظ صواحب الحجرات؟ يا رب كاسيةٍ في الدنيا عاريةٍ في الآخرة"( ). فقد أنزل الله تلك الليلة من الفتن ما هو كالتهاويل، فأين من يسأل الله العافية؟ ولذا كان من دعاء القنوت: "قِنِي شرَّ ما قضيتَ"( )، وأنزل في تلك الليلة من الخزائن، أي: من الرحمات والأرزاق والخيرات الأمر العجاب، فأين من يسأل الله خزائنه الملأى؟ ولذا كان من دعاء القنوت: " بارِكْ لي فيما أعطيتَ"( ). الثالث: شد المئزر. كناية عن اشتداد العبادة والاجتهاد فيها زيادة على المعتاد، وأيضًا هو كناية عن اعتزال النساء وترك الجماع، لأنه يعتكف ومن أحكام الاعتكاف ما أخبر به سبحانه: ﭽ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ البقرة: ١٨٧. فاللهم تب على التائبين، واغفر للمسرفين، وجعلنا في سترك وكنفك، وأنت أرحم الراحمين. الخطبة الثانية: الحمد لله. غار حراء وليلة القدر! وفي غار حراء، وفي ليلة من ليالي تعبده ، نزل جبريل بأول آيات القرآن، وهي قوله تعالى: ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﭼ العلق: ١، أتدري ماهي هذه الليلة التي نزلت فيها هذه الآيات؟ قال تعالى: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭼ الدخان: ١ – ٣، والليلة المباركة هي ليلة القدر، كما قال تعالى: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭼ القدر: ١، ومعنى القدْر: أي ذات الشرف والعظمة، من قولهم: لفلان قدْرٌ عند فلان، أي منزلة وشرف( ). ليلة الضيق! وقيل: القدر بمعنى الضيق، كقوله تعالى: ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ الفجر: ١٦، أي: ضيق عليه رزقه، قال الخليل: لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة( )، حتى جبريل ينزل معهم، قال تعالى: ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ القدر: ٤. القضاء المعلق ! وفي هذه الليلة تنزل الملائكة من كل أمر، أي: من كل قضاء وقَدَر من عند الله، قال تعالى: ﭽ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ الدخان: ٤، ففي هذه الليلة تُقدَّر مقادير الخلائق، فيكتب الأحياء والأموات والناجون والهالكون والسعداء والأشقياء والعزيز والذليل والجدب والقحط، أي: تنقل هذه الأشياء من اللوح المحفوظ، قال ابن عباس: "إن الرجل يُرى يفرش الفرش ويزرع الزرع وإنه لفي الأموات". والتقدير من الله نوعان: تقدير أزلي: لا يتغير ولا يتبدل، وهو ما كتب في اللوح المحفوظ، قال تعالى: ﭽ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﭼ ق: ٢٩. تقدير مُعلَّق: وهو ما كان في الصحف بأيدي الملائكة، وهذه يحصل فيها التغيير والتبديل بإذن الله، قال تعالى: ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ الرعد: ٣٩، ومن أقوى ما يغير التقدير المعلق: الدعاء، وأعمال البر، قال :"لا يردُّ القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ، ولا يزيدُ في العمرِ إلَّا البرُّ"( ). فزيدوا في الدعاء، وسلو الله حسن القضاء، فالدُّعاء من أنفع الأدويةِ، وهو عدوُّ البلاء، يدافِعه ويمنع نزولَه، فرددوا في دعائكم (بارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت). عاصم بن عبدالله بن محمد آل حمد
📄 اضغط لمشاهدة الملف

خطب ذات صلة