مكتبـــــة الخطب

2025-12-21 09:46:13

التشويه الممنهج ونظام الكفالة

بسم الله الرحمن الرحيم "التشويه الممنهج ونظام الكفالة" 26/ 2 / 1446هـ الحمد لله المتفرد بالجلال، المتفضل على خلقه بجزيل النوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى صحبه والآل، والتابعين بإحسان إلى يوم المآل. أما بعد: فإن لكل ناجح حسَّادُه، ولكل متفوق مُبرِّزٍ أعداؤه، وإن المُطالع إلى الساحة العالمية اليوم ليجد أن حربًا ضروسًا قائمةً -لا تفتأ ليل نهار- لطمس معالم الإسلام، وتشويه سيرته العطرة، ولأعداء الإسلام في ذلكم التشوية وتلكم المحاربة نوافذُ وطرق، ومن تلك النوافذ تشويهُ سمعة المملكة العربية السعودية، ومَلءُ الأحاديث في تكبير أخطائها والتهوين من حسناتها حتى لا تكاد تُرى، ذلك أن المملكة اليوم تمثل القوة الإسلامية العظمى في المنطقة، والضغطة عليها من أعداء الملة لا تنفك. حماية وصيانة التوحيد. إن المملكةَ العربية السعودية بلادٌ قائمة على صفاء التوحيد، ونقاء العقيدة، فهي بعيدة عن مظاهر الشرك، وانحرافات التصوف، فلا قبر يُعبد، ولا وثن يُقدَّس، ولا ضريح فيها يُطاف، حتى من كان مخالفًا للسنة فيها فلا يُظهِر ولا يُشهِر ما يخالف السنة؛ لأن البلاد بلادُ السنة، وبلادُ حمايةِ جناب المُعتقد. واقع التوحيد في بعض البلدان الإسلامية. إن المتأمل لبعض بلاد العالم الإسلامي ليجد شيئًا من المخالفات لأسِّ التوحيد، والنقض لكمال الإسلام، فالأضرحة معمورة، والزيارات لنيل البركة للأموات مشهودة، وطرق الصوفية قد ضربت غاربًا في تشويه صورة الإسلام الحقيقي المتسم بالعقلانية والحكمة، وفي بعض البلدان العربية أصبحت القرى التي تخلو من أضرحة الأولياء مثار تندُّرٍ وتهكُّمٍ من سدنة الأضرحة، فضريح للحسين، وضريح للسيدة زينب، وضريح للسيدة نفسية، وضريح للإمام الشافعي، والبدوي، والدسوقي...وكلهم بشر، ورب البشر يقول: ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭼ الرعد: ١٦، قباب تُبنى في المقابر، وقبورٌ تُدخل في المساجد، ومئات ومئات العِتاب التي يُهراق عليها دمعةُ التوحيد كلَّ يوم. قوة السلطان تقوي سطوة القرآن. وهكذا الأمر في جزيرة العرب قبل دعوة المجدد الإمام محمد بن عبدالوهاب، والذي لم تقم دعوته لولا نصرة الإمام محمدِ بنِ سعودٍ له، فقوة السلطان تقوي قوة القرآن، قال ابن تيمية: "قوَامُ الدِّينِ: بِكِتَابِ يَهْدِي، وَسَيْفٍ يَنْصُرُ، وَكَفَى بِرَبِّك هَادِيًا وَنَصِيرًا"( ). محنة ابن تيمية في مسألة تُدرَّس اليوم في السعودية. انظر إلى مدارسنا وجامعاتنا التي يُدَّرس فيها أصولُ أهل المعتقد الصحيح، وقواعدُ أهل الإيمان الصريح، فمسألة واحدة سُجِن لأجلها شيخُ الإسلام ابنُ تيمية حتى مات، هي اليوم تُدَّرس في ثنايا المراحل التعليمة السعودية بلا نكير، ألا وهي مسألة منع شد الرِّحال إلى القبور، فهذه مسألة حوكم وعُذب لأجلها أهل الحق، هي اليوم يتلقاها الطفل المواطن والمقيم في المرحلة الابتدائية قبل غيرها ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭼ آل عمران: ١٦٠ والعجيب أنك ترى هذه الحسنة-حسنةَ التوحيد- على نفاستها وجوهريتها غيرَ مذكورة على لسان الحُسَّاد والطاعنين، ولا يقيمون لها وزنًا ولا عدلًا. مساهمة المملكة في نشر السنة بالمنح الدراسية. أما مساهمة المملكة العربية السعودية في نشر السنة ودعم أهل الملة فحدِّث ولا حرج، فكل الجامعات السعودية قد أتيح لها استقطاب طلاب من كل الأقاليم الدولية، فآلاف المنح الدراسية مشمولةَ السكنِ والإعاشةِ وتذاكرِ الإركاب إلى أبناء المسلمين في البلاد الشرقية والغربية، حيث تجد طلاب المنح في الجامعات السعودية ينتمون إلى (184) مئةٍ وأربعةٍ وثمانين قُطرًا أو إقليمًا من أنحاء العالم، يَدْرُسون المنهج السلفي الذي عليه النبي  وأصحابُه، ﭽ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ يوسف: ١٠٨ الحاقدون الشانئون على السعودية ومَجْهَرَة الأخطاء. أما الحاقدون الشانئون فلا يرفعون بذلك رأسًا ولا تسمع لهم في هذه العطايا همسًا. وبعض هؤلاء الكارهين للسعودية-المتكلمين من خارج السعودية- هم يرون في البلاد التي لجأوا بها ضياعَ الدين، وشتاتَ الإسلام، والكفر الصُّراخ، ودورَ السحرة علنًا، والملاهي الليلة جهارًا نهارًا، والتشردَ في الشوارع، بل وصل في بعض البلدان حدُّ الجهل والفقر إلى درجةٍ لا تُصان فيه ولا معه كرامةُ الإنسان، ومع ذلك لا ترى اللوم ولا سهام السُّم إلا وهي متسلطة عليكم أنتم -أيها السعوديون والمحبون للسعوديين-. لو لم يكن من بلاد السعودية إلا إنها مهبط الوحي، ومَعقِل السنة، وبلاد الحرمين، لكفى بالحصيف العاقل أن يكون مناصرًا لها، ذابًا عن حياضها، غاسلاً عن أوضارِها، ﭽ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﭼ الحج: ٤٦ . لا تقديس لأحد، ولا عصمة لبلد. أما عن نظرة العاقل المتزن، فهو لا يرى التقديس لأحد، ولا العصمة لبلد، ويرى أن الخطيئة قد شملت كل أحد، قال  :"لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم"( )، فلا السعودية ولا غيرُها من البلدان أو الحكام في دائرة العصمة، ولا هم سالمون من الزلل واللَّمة، ولا آحاد الشعوب فيها يمثلون الغالب منها، ولا خطأ الفرد حاكمٌ في التصور على أهل القُطر، فإن الخطأ سِمَة البشر، وعليه جِلّة الخلق، وإن الشائنين لبلادكم، المبغضين لحكامكم، يجعلون من الحبة قبّة، ويجعلون من ريش الطائر أسرابًا. التعميم لغة الجهال. حين تجتمع ظلمات الجهل وعاصفة الكراهة يتلاشى العدل والإنصاف حتى يتطاير كالغبار. وإن التعميم لغة الجهال، وعدم التورع بالاستثناء طريقة الحمقى. فاللهم احفظ علينا ديننا وعرضنا ومالنا، واكفنا شر الأشرار، وكيد الفجار، وخيانة الخوانين، ولا تجعلنا لهم نصيرًا وظهيرًا، ولا مؤيدًا ومعينًا، أقول ما تسمعون... الخطبة الثانية: نظام الكفالة في السعودية. إن بعض الأخطاء التي تحصل بين الفينة والأخرى لا تستحق التضخيم، أو أن يُدَّلس بها على الناس فتُصوَّر أنها هي الأصل في التعامل، فنظام الكفالة-على سبيل المثال- كان مقصودُه -في أصل إنشائه- تنظيمَ العلاقة بين الكفيل والمكفول، والغايةُ منه صيانةُ حقوق الطرفين، ولأنّ بعض النفوس مريضة فقد استغلت بعض الثغرات في النظام، فحصلت بهذا الاستغلال أخطاءُ فردية لا تُنكَر، وقد تم تطوير النظام بالإصلاحات الحديثة التي شملت الانفتاح الاقتصادي والإفصاح المالي، والمأمول أقوم وأعدل. إن تعدي الكفيل أمرٌ غيرُ مرضي شرعًا ولا قانونًا، وله الدوائر القضائية المختصة، وعدد ما يحصل من ذلك في نسبٍ ضئيلة بالمقارنة لعدد الوافدين في السعودية البالغِ ثمانيةَ عشرَ مليون وافد، موزعين ما بين سبعين دولة من دول العالم، في تحويلات مالية سنوية تقدر بـ (مئة وخمسة وعشرين مليار ريال سعودي) فتكون المملكة في صدارة الدول التي يقوم الوافدون فيها بتحويل مبالغ نقدية كبيرة إلى دولهم الأصلية، بدون أي ضريبة تؤخذها الدولة على هذه التحويلات! بل إن الكثير الكثير من المقيمين-بحمد الله- يشهدون بعدل وإنصاف، ففي مقالٍ حديثٍ لمقبول الرفاعي-الأمين العام للمجلس الأعلى للجاليات اليمنية حول العالم- يقول فيه ما يختصر لك المشهد: "من السهل أن نقع في فخ الرؤية الأحادية عند تناول مواضيع حساسة مثل العلاقات بين الكفيل والعامل، ولكن من الضروري أن نتذكر أن الواقع أكثر تعقيدًا. السعوديون، مثلهم مثل أي مجتمع آخر، يواجهون تحديات، لكنهم في الوقت ذاته يتمتعون بسمات لا يمكن إنكارها: الكرم، الوفاء، والشهامة. هذه القيم لا يجب أن تُختزل في مشاهد مبالغ فيها أو قصص مبنية على الاستثناءات بدلاً من القاعدة"( ). وهذه المقالة إنما هي نموذج حصيف نعلم أن أفكاره عالقةٌ في ألسنة المقيمين، حاضرةٌ في أذهان الوافدين، وليس المجال في استطراد ذكر قصص الوفاء، ودموع السخاء التي نلحظها عند من يغادر هذه البلد من إخواننا الذين لهم حق العيش بكرامة، ونيل الرضى بسلامة. فاللهم آتنا حذرنا، واهد ضالنا، وارزقنا شكر نعمك، والعيش في رغد فضلك، واحفظنا بالإيمان.... عاصم بن عبدالله بن محمد آل حمد
📄 اضغط لمشاهدة الملف

خطب ذات صلة