البيت الصامد وبيت العنكبوت
بسم الله الرحمن الرحيم
البيت الصامد وبيت العنكبوت
10 / 5 / 1445 ç
إن الحمد لله...أما بعد:
واقع البيوت، ومطلوب الشريعة.
إنه المأوى والسكن، وبه القرار والأمان والأمن، هو الوَثاق المُقدَّس، وفيه الرياحين تُشْتَمُّ والسندس، هو الحياة لمن عرف طعم الحياة، والأنس لمن ذاق حلاوة الأنس، إنه البيت السعيد، والمنزل الصامد، ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭼ النحل: ٨٠
ولا يتحقق البيت السعيد إلا بزوجيِّةٍ سعيدة. والزوجيِّةُ السعيدة ما كانت على إعطاء الحقوق، وبذل الغَبوق، مع صفاء الود، والبعد عمّا يفسد الوَجد، والبحثِ عن السلامة، وطردِ ما يَجلب الملامة، فصلاح البيت هو صلاح لكل الأمة، وصلاح الأمة هو السبب المكين لقوتها وثقافتها ونصرتها.
والذي يلمح حياة بعض البيوت يجد أنها أهون من بيت العنكبوت، فلا الأب قام بقيامته، ولا الأم فهمت معنى قِوامته، فغدت تلك البيوت مرتعًا للحزن، ومسكنًا للغضب، وبيئة طاردة للتربية المثلى، حيث فيها الأولاد يتيهون، ولا يجدون ملجأ أو مُدَّخلاً، بل الكل هاربٌ عن ذلك البيت وهم يُسرعون ويجمحون، ومن كل لظىً يعانون في أيام متطاولة.
وقد كانوا يَؤوون إلى ركن شديد، وهذا المأوى هو مُثُل الإسلام وتعاليمُه، فهو صمام الأمان لكل بيت، ومفتاحُ السلام لكل عائل، فليس العتبى إلا في ترك اتباع تلك المُثُل، وحجبِ تلك المبادئ والقيم.
أول قواعد البيت المتين.
إن اللبنة الأولى للبيت السعيد يوضع بنيانُه الأسُّ، وقاعدتُه الأشد عند اختيار الزوج أو الزوجة، فبعض الناس ليس له همٌّ في الاختيار، ولا له تركيز في الانتقاء، إلا من كان أو كانت في منصبٍ أوجاهٍ أو سمعةٍ، ولا يدور بباله خُلُقٌ أو مروءة أو دين، ولاشك أن اعتبار الحسب والنسب له مكانته وموقعه، لكن سوء المآل وانتكاس الحال ألا يُلتفت البتة إلى دين الرجل وصلاحه، أو عفة المرأة واستقامتها، هنا يقع الطغيان في التفكير، والخلل في الموازين.
جاءت فاطمة بنت قيس وذكرت أن معاوية بن أبي سفيان، وأبا الجهم وأسامةَ بن زيد قد خطبوها، فقال ﷺ: "أمَّا معاويةُ فرجُلٌ صعلوك لا مالَ لَهُ، وأمَّا أبو الجَهمِ فرجلٌ ضرَّابٌ للنِّساءِ، ولَكن أسامةُ" فقالت بيدِها هَكذا (إشارة إلى أنه غيرُ مرغوب به) ثم قالت: "أسامةُ! أسامةُ!" وكرهته لكونه كان أسود كالليل، فقالَ لَها رسولُ اللَّهِ ﷺ "طاعةُ اللَّهِ وطاعةُ رسولِهِ خيرٌ لَك" قالت: "فتزوَّجتُهُ فاغتُبِطتُ بِهِ"، وفي رواية أنها قالت: "فتزوجته فشرفني الله بابن زيد، وكرمني الله بابن زيد" ( ).
وهذا واضح أن النبي ﷺ جعل من أسباب المفاضلة المالُ والسلوكُ والمعاشرةُ، وكل ذلك بعد توافر الصلاح والديانة، والمرء على دين زوجته، فلينظر الرجل ولتنظر المرأة من تحالل ويخطِب.
قال أبو عمرو بن العلاء: "قال رجل: لا أتزوّج امرأةً حتى أنظر إلى ولدي منها. قيل له: كيف ذاك؟ قال: أنظر إلى أبيها وأمهّا فإنها تُجرّ بأحدهما"( ).
دخول أطراف خارجية داخل بيت الزوجية.
وإن من أكبر مسببات هدم الأسر دخول أطراف خارجية في الحياة الزوجية، ومن ذلك أن أحد الوالدين لربما أساء إلى الابن بإهانة زوجته، فبعض الأمهات-هداهن الله- لاتزال توغر صدر الابن على زوجته بجهل أو بدافع نيران الغيرة غير المبررة، فإذا كان الابن غيرَ حكيم في تعامله مع ردة فعل أمه، وغيرَ متزن في نتائج ذلك على زوجته فسيفسد علاقته بأمه لأجل زوجته، أو ينهي حياته الزوجية لصالح أمه، والصواب أن للوالدين حق، وللزوجة حق، وحري بالزوج أن يصلح بين الزوجة وبين والديه، وألا يكون نقالاً للكلام، مفسدًا للعلائق، مساهمًا في إذكاء النار بصب الزيت، بل الحق أن لا يتحيز، وأن يصبر ويسأل الله السداد.
قوامة الرجل بين الامتهان والطغيان.
ومن أسباب راحة البال، وجلب طوق السعادة إلى البيت ألا يستهين الرجل بزوجته، فيُحقِّرها عند أبنائها، ولا يعتد بكلامها، ولا يستشيرها بالرأي -ولو مجاملة- ويذم أهلها، وإن من كمال المروءة أن يُكرم الرجل زوجته، وأن يحتفي بأهلها، فإن إكرام الزوجة هو إكرام لأبنائه، وإكرام لأهلها.
وكما أن هنالك من الرجال من لا يعتد بالمرأة، فإن هنالك صنفًا آخر قد ضيع القوامة، وأعطى كلَّ القيادة لزوجته، فأصبح تابعًا لا متبوعًا، منقادًا لا قائدًا، فتخرج المرأة متى شاءت، وتلبس ما شاءت، ولربما وصلت سيطرة المرأة إلى أن تتدخل في شؤون الرجل الخاصة وعلاقته بالآخرين.
وما عجبٌ أن النساء ترجلت
ولكن تأنيث الرجال عُجاب
إن قوامة الرجل على المرأة أمر فطري، وشرائع سماوية، وإذا خولف هذا الأمر فقد خولفت الفطرة وفسدت التربية، ولا يعني ذلك أن يستبد الزوج، ويظلم ويطغى، فيسلبها حقوق الإنسان، وحقوق الشرع، لكن المراد أن يحافظ المرء على قوامته، ويرعى حقوق زوجته جامعًا بين القوة والرحمة، قال تعالى: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭼ النساء: ٣٤
أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية: الحمد لله...
رشقات في تربية الأبناء.
إن من جمال تربية الأبناء أن يحرص الوالدان على الدعاء لهما دومًا وأبدًا ، ويقولان كما قال النبي الصالح: ﭽ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ آل عمران: ٣٨، وأن يلاطفهم في صغرهم، فيناديهم بأسمائهم، ولا يعيرهم، ولا يناديهم بما لا ليق، بل يلقبهم بالألقاب الحسنة، ويكنيهم بالكنى المستحسنة: تعال يا أبا فلان. وأقبل يا ريحانتي. وليبادر إلى ذلك قبل أن تسبق إليهم الألقاب السيئة.
وليسارع إلى غرس الإيمان في قلوبهم، والشجاعة في أفئدتهم، ولْيُعلِّمهُم المروءة والنخوة والنجدة، قبل أن يكبروا، فيفوت الفوت ولا ينفع الصوت.
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت
ولا يلين إذا قومته الخشب
حَصِّنهم بالأوراد الشرعية، وقبل أن تأمرهم بأي شيء كن قدوة لهم في هذا الشيء، واحذر من التناقض أمامهم، فِ بعهدك لهم، أبعد أسباب الفساد عنهم، وانْئَ بهم عن أماكن العطن والخراب، جِد البدائل المناسبة لأولادك ولا تَحرِمهم، اجعلهم على الرجولة والخشونة، وباعدهم عن الميوعة والدعة والبطالة، راقب ميول الولد ومواهبه، وحاول تنميتها، ازرع فيه الجرأة الأدبية، ومَلَكَة الحوار، واجعل فيه الثقة، ولا تكسر من ذاته، وتحطم من رجولته، استشر بنيك، وامنحهم شيئًا من المسؤولية، وعوِّدهم على المشاركة الاجتماعية، عودهم على اتخاذ القرار، وتحمل المسؤولية، ميز بين طبائع أولادك، واعرف كيف تتعامل مع كل شخصية منهم، فإن اختلاف الطبائع قد قسمها الله بين الخلق، وفي مرحلة المراهقة لا تحاول الاصطدام بولدك كثيرًا، وتجنب المباشرة والإكراه والإجبار، بل حاور، وأقنع، وكن عاقلاً عطوفًا، اجلس مع أولادك، واعرف حاجاتهم، ولْيَبُوحُوا لك بمشاكلهم، وأصغ إليهم، وأشعرهم بأهمية كلامهم، مازحهم ولاطفهم، وأعلمهم من تجاربك في الحياة، وزد رصيدهم المعرفي رصيدًا، أشبع عواطفهم-خصوصًا البناتِ منهم- ولا تجعلهم فقراء للحنان، محتاجين للعاطفة فيهربوا منك إلى مستنقعٍ مظلمٍ مَخُوف، تغافل ولا تغفل، ولا تستقص كلَّ أخطائهم، بل مرر أحيانًا، ولمِّح أحيانًا، وباشر أحيانًا، لا تضخم أخطاء أبنائك، وتذكر حسناتهم، كن لطيفًا، و تذكر أن العقوبة قد يحتاج إليها المربي ولكن في مضايق الأمور، بدون أذى جارح، أو سبِّ قادح، ولا تكن لينًا فتكسر، ولا هينًا فتعصر، اختر لهم المدارس الصالحة، وتابعهم مع مدرسيهم، وأسأل عن صحبتهم، فإن المدرسة بيتٌ ثاني( ).
فاللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر واحم حوزة الدين، اللهم وفق ولي أمرنا لكل ما تحبه وترضاه، اللهم واجعله ذخراً للإسلام والمسلمين، اللهم احم بلادنا، وانصر جندنا، وأذل أعداءنا، اللهم نج المستضعفين في غزة، اللهم اشدد وطأتك على يهود المعتدين، اللهم املاء بيوتهم وقبورهم نارًا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عاصم بن عبدالله بن محمد آل حمد