أشرف الملوك، وخير الحصون
بسم الله الرحمن الرحيم
17/12/1441
أشرف الملوك، وخير الحصون
"القلب"
الحمد لله...
أشرف الملوك، وآمِر الوزراء، هو مكان الأفكار، ومستودعُ الخواطر والأسرار، هو محل النوايا، ومَرْكن الأعمال والخبايا، هو محط السعادة، وانشراح الحياة، وإن شئت فقل: هو دَرَك الشقاء، وضيق العيش.
ذكره الله في القرآن بصفات عديدة، وجاء ذكرُه في سنة المصطفى ﷺ بألوان متباينة، هو أصلٌ لكل عمل صالح، أو بؤرةٌ لكل عمل طالح. إنه: القلب.
مضغة من لحم ودم، تتحرك بلا تعب، وتنشط بلا عناء، وهي أصل بقاء كل ذي حياة.
فلنتجول حول هذه الأعجوبة التي خلقها الله!.
مكاسب القلب:
إن الأحكام في الدنيا والآخرة مُرَتَّبة على ما كسبه القلب، وعقد عليه، فالله يؤاخذ العبيد بنوايا القلوب، إن خيرًا، وإن شرًا، كما قال تعالى: ﭽ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ البقرة: ٢٢٥ ،"وفي هذا دليل على اعتبار المقاصد في الأقوال، كما هي معتبرة في الأفعال"( )، وقد قال ﷺ:"إنما الأعمال بالنيات" متفق عليه، فأصلحوا النوايا ما حييتم.
أفضل القلوب قلوب أهل التوحيد:
وإن أفضل القلوب عند الله، هو قلب نبيكم محمدٍ ﷺ قال ابن مسعود: "إن الله نظر في قلوب عباده فوجد قلب محمد خيرَ قلوب العباد"( ).
إن أفضل القلوب: هي القلوب السليمة من الشرك، والرياء، هي القلوب التي أخلصت الدين لله، وأقامة العبودية له دون ما سواه ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ الشعراء قال ابن عباس عن القلب السليم: "يشهد أن لا إله إلا الله" وقال مجاهد: "سليم من الشرك"( ).
أفسد القلوب القلوب المرعوبة:
وإن أفسد القلوب: هي القلوب التي أشركت بربها، وجحدت نعم خالقها، وهذه القلوب لا تستحق إلا الرعب والقلق، قال تعالى:ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭼ آل عمران: ١٥١، ويوم القيامة لا تستحق إلا الخوف والارتجاف والخَفَق والارتباك، كما قال الله عنهم ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ النازعات: ٨ – ٩، ومعنى خاشعة، أي: ذليلة منكسرة.
إن أفسد القلوب: هي القلوب التي خالفت جوارحَها، ونافقت أصحابَها، وتلونت في الخطاب والقول، وحُرِمَت من تدبر كلام ربها، وعُدِمَت النظرَ في ملكوت خالقها، ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﭼ محمد: ٢٣ - ٢٤
إن أفسد القلوب: هي القلوب التي نضحت بالحقد والحسد والكراهية، وعدمِ إقامة لُحمة الأُخوَّة والتآخي، قال الله: ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﭼ غافر: ٣٥.
القلب أشرف الحصون:
إن القلب هو الحصن الحصين، والقلعةُ العاليةُ الأسوار، وإنَّ عدوَّك الذي يريد أن يتملك حصنك، ويهدم أسوارك، ويستوليَ على قلاعك: هو الشيطان.
ولمّا علم عدوُ الله إبليس أن المدار على القلب والاعتمادَ عليه، أجلب عليه بالوساوس، وأقبل بوجوه الشهوات، وزين له من الأقوال والأعمال ما يصدُّه عن الطريق، ونصب له المصايد والحبائل.
نجاة القلب من حبائل الشيطان:
فلا نجاة للقلب من مصائد الشيطان ومكائده إلا بدوام الاستعانة بالله تعالى، والتعريضِ لأسباب مرضاته، والتجاءِ القلب إليه، وإقبالِ القلب على الله في حركاته وسكناته، والتعبدِ لله بكل الوجوه، فإن القلب إذا دخل في عبودية الله دخل في ضمان الله القائل: ﭽ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﭼ الحجر: ٤٢( ).
نور القلب، وظلمته:
وإن أعظم نور يستنير به القلب ويُخلِّصُه من الظلمة، هو نور العلم، فالعلم مصباحٌ يضيء الدروب، وعينٌ يبصر بها الفؤاد، والعلم نورُ الله يقذفه في قلب عبده.
وإن الهوى والمعصية رياح عاصفة تطفئ ذلك النور أو تكاد، ولا بد أنْ تُضعفَه.
وقال اعلم بأن العلم نورٌ ونور الله لا يؤتاه عاصي
سكينة القلب ووظائف العبودية:
وإن من نعم الله على عبده أن يُلقيَ السكينة في قلبه في كل شؤون حياته: ﭽ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭼ الفتح: ٤، فإذا حلّت السكينة في القلب نتج عنها: الخضوع والخشوع في جوانب العبودية، وسلوك الحياة، رأى سعيد بن المسيب رجلاً وهو يعبث بلحيته في الصلاة، فقال: "لو خشع قلبُ هذا، لخشعت جوارحُه"( )، فإنه "يلزم من صلاح حركات القلب صلاحُ حركات الجوارح"( ).
مراقبة القلب لربه من أسباب السكينة:
وإنّ من أعظم أسباب السكينة، وزوال القلق، وذهاب الاضطراب النفسي: مراقبةَ القلب لربه، فإن هذه المراقبة توجب الحياء، والسكينة، والمحبة، ولقد جمع النبي ﷺ أصولَ أعمال القلب، وفروعِها كلِّها في كلمة واحدة، وهي قوله ﷺ في الإحسان "أن تعبد الله كأنك تراه" متفق عليه ( ).
فاللهم ارزقنا قلبًا ساكنًا، وجوارح خاشعة، وألبس أفئدتنا لباس العزة والقوة، وأبعد عنها لباس الضعف والانكسار والذلة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
قلب المؤمن الصادق دليل له عند الخطوب:
إن قلب المؤمن متى ما كان سليمًا، نقيًا، خاليًا من الأمراض فإنه قلب ينطق بالحق، ويدله عليه، متى ما اختلطت المسائل، وتشعبت الآراء، قالﷺ:" البر ما سكنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس، ولم يطمئن إليه القلب، وإن أفتاك المفتون" ( )، هذا هو القلب الحاضر، والفؤاد المبصر ﭽ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭼ ق: ٣٧.
القلب ملك، والجوارح جنود، فاستصلحوا القلوب:
إن القلب هو الملك فيك، وهو المتصرف في أعضائك كلِّها، والتي هي الجنود، فهذه الأعضاء تحت سطوة القلب وقهره، وتكتسب منه: إما الاستقامةَ، وإما الزيغَ والضلالةَ، ولذا قال ﷺ: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" ( ).
ومن هنا كان الاهتمامُ بتصحيح القلب وتسديدِه أولى ما اعتمد عليه السالكون، وكان النظرُ في أمراضه وعلاجها أهمَّ ما تنسك به الناسكون( ).
فأكثروا من أعمال السر، تُصلَحْ لكم أعمال الجَهْر، وينغسل القلب من أدران النكات السوداء، والعوالق الممرضة.
كتبه: عاصم بن عبدالله آل حمد