مكتبـــــة الخطب

2025-12-21 09:42:09

أَسْلَمَة قانون الجذب!

5 أَسْلَمَة قانون الجذب ( )! 24 / 1 / 1447 الحمدُ لله.. أفكار غربية، روج لها طامعون في التكسب. في زمن تقاربت فيه كل الشتات من العلوم، وكثرت فيه المشارب الفكرية، وتشابكت فيه الثقافات، وتلاقحت فيه الأفكار من مشارق الأرض ومغاربها، تسرّبت إلى قلوب كثير من شباب المسلمين وفتياتهم مفاهيم دخيلة، لا تمت إلى ديننا الحنيف بصلة، ولا تنبت جذورُها في تربة الإسلام الطاهرة. إنها أفكار تلبّست بأثواب خادعة من التنمية البشرية، وتزينت بأسماء براقة تدّعي العلم والعقل، بينما هي في حقيقتها أوهام وضلالات، منشؤها الغرب المادي، روّج لها نفرٌ من بني جلدتنا، ممن تزيّنوا بعباءة الحداثة، وتاجروا بها في أسواق الضعفاء، متكسبين من أزمات النفوس، ومستغلّين عطش القلوب إلى الأمل! إلماحة عن قانون الجذب! ومن أعظم هذه الضلالات التي شرّقت وغرّبت، واستُثمرت في كتب ومؤلفات، وعُقدت لأجلها الدورات، وحُمِّلت فوق ظهور البسطاء، ما يسمّى بـ "قانون الجذب" و"استحقاق الذات"، ذلك القانون الزائف الذي اختُلق من نسج الخيال، ثم بُنيت عليه أساطير لا تقوم على عقل، ولا تُثبتها فطرة، ولا يصدقها شرع. خلاصتهم في هذه النظرية: أن الإنسان خالقٌ لواقعه، صانعٌ لمصيره، بقوة تفكيره فقط! فيُوعِدون الفقير بثروة طائلة دون أن يُجهد نفسه، ودون أن يتحرك في الأرض، بل يكفيه أن "يتخيّل" الثراء ليحصل عليه! ويبيعون للمريض حلم الشفاء العاجل بلا دواء ولا علاج، فقط بـ "التركيز والطاقة"! ويقولون للناس: أنتم من تجذبون لأنفسكم الفقر أو الغنى، المرض أو العافية، بحسب ما تفكرون فيه، فالكون ـ بزعمهم ـ يستجيب لنواياكم! وهكذا جعلوا من "النية" المفتقرة إلى العمل سببًا مستقلاً، وجعلوا من "الخيال" أداةً للتحكم في الواقع. من المصريين القدماء إلى محاولة أسلمته! إن هذا القانون كان معروفًا لدى المصريين القدماء، ثم لدى الفلاسفة اليونانيين، ثم اندثر، إلى أن بعثته الحضارة الغربية الحديثة في القرن العشرين! ثم وجدنا من المسلمين من أُعجب بهذا الإفك، فراح يجتهد في "أسلمته"، ويجتهد في تسويقه على المسلمين، حتى قال أحدهم ـ ممن تلبّس بلبوس الدين: "إننا نَجذِبُ الأحداث من حولنا من خلال التركيز والاهتمام والطاقة"، وراح يُدرّس خطوات هذا "القانون" المزعوم في الدورات التدريبية، ويطلب من الناس: -أن يُريحوا عقولهم، ويسترخوا دقائق معدودة. -ثم يطلب منهم أن يحدّدوا أمنياتهم. -ثم "يُقدِّموا طلبًا إلى الكون" وكأنهم يخاطبون إلهًا غير الله! قانون الجذب تشريك مع الله وقول بوحدة الوجود. إن هذا المنهج، إنما هو تلبيسٌ من تلبيسات إبليس، قائم على تزييف الوعي، وتحريف العقيدة، وتهميش قيمة العمل، وتضليل الناس عن السنن الإلهية. فأيّ عقل يقبل أن يتحقق النجاح بلا تعب، أو أن تُبنى الحياة على التمني والخيال فقط؟! إنه منطق مخالف للعقل، ومناقض للفطرة، ومصادم لواقع الناس وتجاربهم، وما أصدق ما قال الشاعر: إذا تمنّيتُ بتُّ الليلَ مغتبطًا إنّ المُنى رأسُ أموالِ المفاليسِ ( ) إن دعوى قانون الجذب ليست مجرد وهم، بل هي في حقيقتها عدوان على مقام الألوهية، وادّعاء لما لا يملكه إلا الله، إذ يجعلون الإنسان مركز الكون، وربًّا صغيرًا، يصنع قدَره، ويخلق واقعه، بل ويتصرف ـ بزعمهم ـ في واقع غيره، وكأن الكون يدور بإشارته، ويتحرّك بأمره، ويتشكّل بناء على طاقته. وتجرّأ بعضهم فقالوا بملء أفواههم: "نحن الخالقون، ليس لقدرنا فقط، بل لقدر الكون كلّه!" فأيّ فجور هذا؟! وأيّ انحراف عن عقيدة التوحيد هذا المنطق؟! بل ذهب أصحاب هذا الفكر إلى أبعد من ذلك، فزعموا أن الطاقة الكامنة في الإنسان هي القوة التي تحرّك العالم، وأن هذه الطاقة هي السرّ الأعظم، وهي المفتاح الذي يفتح كل باب، ومن يملكها لا تحده حدود، ولا تُعجزه رغبة، فهو صاحب قدرة مطلقة، وذكاء لا نهائي، وعظمة ليس لها مثيل! ولذا أطلقوا على "قانون الجذب" اسم "السر"، ووصفوه بأنه مفتاح السعادة، ووسيلة الثراء، وطريق النجاح، وأنه أعظم ما اكتُشف في هذا العصر! هذا القانون شركٌ خفيّ، ووثنية فكرية، وأسطورة عصرية، ومما يزيد الأمر سوءًا أن بعض الكتّاب المسلمين عمدوا إلى ترجمة هذه الخرافات، فغطّوا على حقيقتها، وطمسوا ألفاظها الكافرة، وحاولوا تلوينها بألوان إسلامية خادعة، بل بلغ بهم الأمر إلى تحريف بعض النصوص الشرعية، ليجعلوها دليلًا على زيفهم! فهل يُستدل على الباطل بكلام الله؟! وهل يُستخدم القرآن لترويج الشرك؟! التفاؤل قانون الإسلام الذي لا يتخلف! وقد بيّن النبي لأمته الطريق، وزرع فيها الخروج الحقيقي من مأزق المأساة، إلا وهو التفاؤل المقرون بالعمل، فقال فيما يرويه عن ربه تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خير منهم، وإن تقرب إليّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إليّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة"( ). هذا هو قانون التفاؤل الذي يريده الله، التفاؤل القائم على الظن الحسن برب العالمين، لا على أوهام تُنسب إلى "الكون" وتُفصل العقائد عن المشهد! وقد قال : "لا طِيَرة، وخيرها الفأل". قيل: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: "الكلمة الطيبة يسمعها أحدكم"( ). نعم، الكلمة الطيبة، والأمل الصادق، والعمل الصالح، والتوكل على الله، كلُّ ذلك يُثمر في النفس أمانًا، وفي القلب راحة، وفي الحياة بركة، أما الأوهام والتمنيات التي لا تبنى على واقع، فهي خُرافة، وكفى. فالقائمون على قانون الجذب كالسحرة والمشعوذين، يبيعون الوهم لمن يصدقهم، يعدونهم بالحياة الجميلة، والثراء الفاحش، من أجل أن يستنزفوا أموالهم، ثم يتركونهم في ظلمة الحيرة والتيه. ﭽ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭼ النمل: ٧٩ اللهم يا من بيده الأمر كله، وبك تتحقق الآمال، اجعلنا من عبادك المتوكلين، واملأ قلوبنا إيمانًا وتسليمًا، ونجّنا من الأوهام والخرافات، واهدنا إلى سواء السبيل. 8 24 / 1 / 1447 أ.د عاصم بن عبدالله بن محمد آل حمد
📄 اضغط لمشاهدة الملف

خطب ذات صلة